رضاب نهار (باريس)

يسعى جاك لانغ من خلال منصبه كرئيس لمعهد العالم العربي في باريس منذ عام 2013، إلى منح الثقافة العربية، المكانة التي تستحقها بين الثقافات العالمية. إنه يصرّ بكل طاقاته على أن يبرز التاريخ العربي بوصفه واحداً من المؤثرات المهمة والفاعلة في الحضارة الإنسانية على مر العصور. وفي حوارٍ خاص مع «الاتحاد»، تحدّث لانغ مطولاً عن علاقته بالثقافة العربية وعن ضرورة الحفاظ عليها، إذ قال: «مهمتنا الحالية تتجه نحو تسليط الضوء على القيمة الحقيقية لكنوز الثقافة العربية. فهي ثقافة غنية بالأعمال الخالدة والاكتشافات البارزة، كما أن اللغة العربية هي لغة عالمية وذات جمالية مذهلة. ومنه أطلقنا في المعهد شهادة (سمة) كأول شهادة عالمية في إتقان اللغة العربية الفصحى على غرار الشهادات الدولية الأخرى المعترف بها مثل شهادة (التوفل)».
وأوضح أن مهمة معهد العالم العربي هي نشر الثقافة واللغة العربية بين العرب المقيمين في فرنسا، أولاً، وبين غير العرب من الفرنسيين وأصحاب الجنسيات المختلفة، ثانياً.
وتعليقاً على سؤالنا: كيف أسهم معهد العالم العربي في تغيير وجهة النظر الغربية حول العرب في ظل الاتهامات التي يواجهونها مؤخراً؟ أجاب لانغ: «أظن أننا قمنا حقيقةً بتغيير نظرة الفرنسيين للعرب من خلال التعريف بالحضارة العربية عبر التاريخ والتعريف بروادها ومبدعيها، والأهم تصدير مبادئها وأخلاقياتها ضمن صورة متناغمة مع بعضها البعض. الأمر الذي حصل من خلال العروض والمعارض والحفلات والندوات المقامة على أرض المعهد. أيضاً فإن وسائل الإعلام الفرنسية وبتغطيتها لفعالياتنا تسهم بشكل كبير في تجاوب المجتمع مع روح الثقافة العربية الحقيقية».
في ذات الشأن، تحدّث عن استضافة المعهد معرضاً بعنوان «مدن دمّرها الإرهاب» شارك فيه مجموعة فنانين بأعمال عن مدن تاريخية عريقة مثل حلب والموصل وتدمر وغيرها، بهدف توضيح بشاعة ما حدث فيها من تدمير وتخريب على يد الإرهاب والتعصب، لافتاً إلى أن المعرض تمّ نقله إلى المملكة العربية السعودية وهو الآن يلقى نفس النجاح هناك. كما أنه تمّ إرسال رسالة من قِبلهم في المعهد لسمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، ولمعالي نورة بنت محمد الكعبي وزيرة الثقافة وتنمية المعرفة لاقتراح نقل المعرض إلى الإمارات. كل هذا من أجل إرسال صورة حقيقية للعالم الدولي حول وقائع المجريات التي تنال من الإرث العربي قبل أي أمر آخر.
ولعلّ علاقة جاك لانغ الأصيلة مع الثقافة العربية، أثّرت في اختياره لمكان بناء المعهد في ثمانينيات القرن الماضي، عندما كان وزيراً للثقافة حينها. حيث اختاره على نهر السين وعلى بعد خطوات من كنيسة نوتردام ومسجد باريس الكبير.
وأكّد لنا: «في تلك الفترة أقنعت الرئيس فرانسوا ميتران بأن هذه البقعة من الأرض هي المكان المناسب لبناء معهد العالم العربي. فهي ذات قيمة رمزية بسبب وجود اثنين من المباني الدينية التاريخية التي تحثّ على قيم التسامح».
من هنا انطلق لانغ للحديث عن العلاقة الفرنسية الإماراتية في هذا الشأن، فقال: «أود أن أغتنم الفرصة لأؤكّد أننا نتقاسم مع دولة الإمارات العربية المتحدة قيم التسامح واحترام الآخر وتقبل الديانات، فما يجمع هاتين الدولتين هو الرؤية المشتركة من أجل مستقبل أكثر انفتاحاً وأمناً في الوقت نفسه. دولة الإمارات هي مثال يقتدى به في نبذ التعصب واحترام كافة الثقافات والأعراق».
وتابع: «أتمنى من كل قلبي أن تثمر اتفاقيات الفرنسيين والإماراتيين على أرض الواقع أكثر فأكثر، ولا بد من الاعتراف أن دولة الإمارات أنجزت مشاريع رائعة في مجال الاتفاق الثقافي بين البلدين، أذكر على سبيل المثال متحف لوفر أبوظبي الذي قمت بمساندته ودعمه منذ بداياته»، مبيناً أن اللوفر أبوظبي استطاع أن يحقق نجاحاً باهراً. إنه مشروع قائم بحد ذاته ولم يكن في يوم من الأيام امتداداً للوفر الباريسي على الرغم من وجود تعاون وثيق بين المتحفين. هو لوفر فريد من نوعه له هندسته المعمارية الرائعة ويضمّ أعماله الفنية والأثرية التي تبرز هويته الخاصة».
ونوّه قائلاً: «يجب ألا ننسى توجيه التحية لشجاعة وجرأة الحكومة الإماراتية في خوضها ورعايتها لمشاريع بهذا القدر من الأهمية ليس على الصعيد المحلي أو الفرنسي فحسب، إنما على الصعيد الإنساني العالمي».
وتوجّه لانغ برسالة للعالم العربي قال فيها: «أنا أعشق الثقافة العربية. اليوم فرنسا إن صحّ التعبير هي دولة عربية. فاللغة الفرنسية تحتوي على كلمات عديدة من أصول عربية، كما أنها تستقبل الملايين من المهاجرين العرب وخصوصاً من بلدان المغرب العربي الذين يأتون بمواهبهم وثقافتهم. ونستطيع أن نشبّه فرنسا بأنها بلد قوس قزح، أي ملونة بعدة ألوان من بينها ألوان العالم العربي. شكراً للعرب ولثقافتهم التي منحتنا الفكر والرياضيات والعلم والمواهب.. البلدان العربية دائماً ما تكون مصدر كل شيء إيجابي».
وبشكلٍ شخصي أراد جاك لانغ من خلال «الاتحاد» أن يقول: أنا سعيد جداً لأنه تم اختياري شخصية العام لجائزة الشيخ زايد للكتاب في العام 2018. تقديري كبير للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه. وهذه الجائزة هي فخر كبير لي ولمعهد العالم العربي».